قبل أزيد من ستة قرون رحل أيقونة علم الاجتماع عبد الرحمان ابن خلدون مخلفا رصيدا مهما من الكتابات التي يستشهد بها إلى اليوم الباحثون والعلماء في مجالات علم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد من أنحاء العالم.
ولد ابن خلدون في تونس وكان رجلا رحالة شغوفا بالعلوم جال العديد من البلدان ومن بينها الجزائر حيث استقر في تلمسان لمدة 4 سنوات في أواسط القرن الرابع عشر ودرس هناك بمدرسة العباد التي صارت تعرف بالمدرسة الخلدونية نسبة إليه. و درس ابن خلدون لمدة 4 سنوات في المدرسة المحاذية لمسجد سيدي بومدين والتي سميت لاحقا بالخلدونية نسبة إليه بعدما كانت تسمى مدرسة العُباد تقول ربيعة بن عمار التي تشتغل مرشدة في المجمع التاريخي سيدي بومدين بتلمسان.تقف بن عمار في فناء المدرسة الخلدونية مستحضرة تاريخها الذي يعود إلى سنة 1347 عندما أمر السلطان أبو الحسن المريني بإنشاء مدرسة في منطقة العُباد الجبلية أعلى عاصمة الزيانيين .وتتابع المتحدثة وهي خريجة قسم التاريخ تخصص المغرب الإسلامي بجامعة تلمسان أن المدرسة تحولت في ظرف وجيز إلى قبلة الباحثين عن تعلم مختلف العلوم الدينية خصوصا بعد أن حل بها العلامة بن خلدون مدرسا للعلوم الدينية.
هندسة معمارية فريدة
تتألف المدرسة من طابقين بفناء واسع وأروقة في الطابق الأرضي تقابلها غرف الطلبة المقيمين .كان الطابق الأرضي مخصصا للطلبة الجدد أما العلوي فقد كان مخصصا لمن ينتقلون للطور الأعلى ولا يحق لطالب القسم السفلي أن يصعد إلى أعلى البناية إلا بعد أن ينجح في دراسته ويحقق الانتقال تضيف بن عمار.بينما تحيط البنايات الحديثة بالمدرسة ويزحف الإسمنت المسلح نحو محيطها لا تزال المدرسة الخلدونية محافظة على نمطها العمراني وكتاباتها وزخرفتها الأصلية كما تحافظ على قطع الزليج الأصلية الموجودة في القاعة الكبرى للدراسة.وفي السياق تشير بن عمار إلى أن احتضان تلمسان لتظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2011 دفع بوزارة الثقافة إلى إعادة ترميمها مع الحفاظ على نمطها القديم.
رائحة العلوم
منطقة تسكنها أرواح العلماء وتفوح منها رائحة العلوم هكذا يصف الباحث في علم المكتبات محمد إلياس بومدين الذي يشتغل في الجانب المخصص للمركز الوطني للمخطوطات بالمدرسة الخلدونية هذه المعلمة. الباحث في علم المكتبات محمد إلياس بومدين متأملا المدرسة الخلدونية في تلمسان غرب الجزائرم حمد إلياس بومدين متأملا المدرسة الخلدونية في تلمسان غرب الجزائر. يقف بومدين بأعلى سطح المدرسة متأملا الفناء الذي كان يحتضن حلقات الطلبة والعديد من المناسبات الدينية مبرزا في حديثه أنها “حفة معمارية اعتمدت في تاريخها العلمي على منهجية التدريس بالحلقة حيث يلتف الطلبة بمعلمهم أو العالم الذي يدرسهم وتطورت مناهج الدراسة بها إلى علم الفلك والحساب وغيره. وبعد ما يقارب السبعة قرون على إنشائها لا تزال المدرسة الخلدونية بحسب المتحدث ذاته تحتفظ إلى اليوم بنفس الهدوء الذي تتميز به منطقة العباد التي اعتبرت لوقت طويل خلوة العلماء والطلبة.