لم يكن رياض محرز، أقل معاناة من عظماء كثيرين، ذاقوا مرارة الإحباط والرفض، حتى أثبتت موهبتهم نفسها على أرض الواقع، وأصابت كل من قلل منهم بالندم والحسرة.
ذلك الطفل الجزائري الذي ترعرع في شارع سابلون بأحد الأحياء الفقيرة في فرنسا على عشق كرة القدم، كان لا يكل ولا يمل من اللعب، حتى أصبح النموذج المثالي لرحلة صعود مشرفة لنجم عربي يقارع أباطرة اللعبة على مستوى العالم. لم يكن رياض راضيًا على اللعب في الأندية غير المحترفة في شبابه، ودفعه طموحه بشكل دائم للبحث عن نقلة في مسيرته، ففي سن 18 عاما، تقدم للاختبار في فريق كيمبير فينيستير أحد فرق دوري الهواة. وتقدم مجنون الكرة، كما كان يلقبه المقربون، للاختبار في أي نادٍ يوفر له فرصة حتى لو على مقاعد الاحتياط، وكانت وجهته الأولى في العملاق مارسيليا، لكنه وجد هناك جرحا لم ولن ينساه طوال حياته. وفي عام 2010، شارك محرز مع رديف أولمبيك مارسيليا، النادي الذي كان يشجعه في طفولته، غير أن فرانك باسي، مدرب الفريق الرديف في تلك الفترة، والمدير الرياضي جوزي أنيغو رفضا التعاقد معه، بحجة أنه لا يصلح لمجاراة المحترفين، فحمل حقائبه وقرر البحث عن فرصة أخرى.
ـ جرح غائر
وجد أخيرا رياض الباب مفتوحا في لوهافر، الذي كان ينشط آنذاك ي دوري الدرجة الثانية، ووقع أول عقد احترافي مع الفريق الرديف عام 2011، واستمر في صفوفه 4 سنوات بزغ خلالها نجمه وتطورت مهاراته حتى التحق بالفريق الأول. لكن الحنين لمارسيليا لم ينطفئ في صدر الساحر، حتى عندما بدأت تضح أمامه ملامح مسيرة مميزة، فحاول الانضمام مجددا له عام 2014 عندما اقترح وكيل لاعبين على فانسان لابرين، رئيس النادي في تلك الفترة، فكرة التعاقد مع محرز، غير أن الأخير سخر منه بطريقة مهينة، معتبرا أن اللاعب الجزائري لا يملك أي فرصة للنجاح مع الفريق. الرفض الثاني جعل رياض يدرك أن مكانه الحقيقي لن يكون في فرنسا، فغادر لخوض مغامرة قد تهدد مسيرته كليًا والتحق بليستر سيتي الذي كان يلعب حينها في الدرجة الأولى، ورغم تردده الكبير قبل هذه الخطوة إلا أنه اقتنع بالرحيل إلى بلاد الإنجليز عله يجد ما يبحث عنه. وكأن القدر خطط لمعجزة تجعل هذا الشاب الجزائري من عظماء كرة القدم، فمن كان يتصور أن يعود ليستر إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، وفي 2016 يكتب ملحمة تاريخية رفقة المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري. وشارك محرز رفاقه نغولو كانتي وجيمي فاردي، في صنع معجزة البريميرليغ الكبرى والتي أرغمت كبار الدوري الإنجليزي على ترك اللقب لهذا الفريق المقاتل الذي كسر أنوفهم وفرض نفسه على منصات التتويج في موسم كان للجزائري فيه روايات من التألق.
– مكانة استثنائية
الانتقال لمانشستر سيتي، كان التطور الطبيعي لهذا النجم المتألق، حيث تهافت الكبار على خطف جواهر الثعالب، ورغم أن مشاركاته كانت غير كافية لنجم بحجم محرز، إلا أنه صبر وكان في كل مشاركة يثبت خطأ وجهة نظر بيب غوارديولا، ويصبح فرس الرهان في كافة البطولات المحلية التي حققها مع السيتيزينس. وفي الثلاثة أشهر الأخيرة، برهن رياض على معدنه الأصيل، فقاد السيتي للتحول إلى المكانة التي يحلم بها وهي الصراع على لقب دوري أبطال أوروبا، الذي أنفق من أجله مستثمرو النادي مئات الملايين لتحقيقه، بخلاف استعادة لقب البريميرليغ بكل سلاسة. واليوم يقف رياض على أبواب المجد، ففي البرتغال ينتظره المجد الأكبر الذي لطالما حلم به ذلك الطفل الجزائري في شوارع فرنسا الفقيرة، لأن الفوز بذات الأذنين على الغريم تشيلسي لن يجعله فقط يحتفظ بعرشه الذهبي على القارة السمراء، لكنه سيناطح بكل قوة العمالقة على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم.