تعد الأغواط من بين المناطق التي تزخر بالمعالم السياحية والمواقع الأثرية مما يؤهلها لتكون أرضا خصبة للدراسات والبحوث حيث تحوز كل بلدية من بلدياتها على ما يدل على امتداد أصلها العتيق الذي يجعل منها منطقة أثرية ومتحفا مفتوحا.
يرجح المؤرخون أن مدينة الأغواط تأسست على يد مغراوة ولما حل الهلاليون بها وسعوا عمرانها وأعطوها طابعها العربي وأصبحت بلدة تجمع ما بين الحضارة والبداوة على غرار مختلف المدن والقرى الواقعة في سهوب وصحاري الجزائر والعالم العربي عامة منذ أقدم العصور كما أقام البدو الرحل علاقات حسن الجوار مع سكان المدينة بحكم القرابات والمصالح وكان التبادل التجاري بالطبع قائما بينهم إذ تقدم المدينة لهؤلاء المنتوجات الفلاحية والبضائع الاستهلاكية والمنسوجات والمصنوعات التي يحتاجونها مقابل ما يزودونها به من حيوانات ومنتوجات مختلفة. وكانا يعينان معا مجلسا لتسيير شؤون المدينة برئاسة شيخ يختار تارة من الأحلاف وتارة من أولاد سرغين والجدير بالذكر أن المدينة استقبلت الولي الصالح سي الحاج عيسى سنة 1698 الذي التف حوله السكان واستطاع أن يضع حدا للخصومات ويجمع الشمل. كما أجمع الطرفان في القرن الثامن عشر على تنصيب شيخ يدعى زعنون تميز بمؤهلات الزعامة لتسيير شؤون المدينة وبقوا على سيرته حتى مجيء الاحتلال الفرنسي.
عبرة و تاريخ
عرفت الأغواط مراحل من المقاومة الشعبية على غرار الأمير عبد القادر الأمير خالد والناصر بن شهرة هذا الأخير لم يكتب عنه الكثير كونه قاد المقاومة في الأغواط التي كانت في نظر الفرنسيين بوابة لعبور الصحراء نحو إفريقيا ترددت فرنسا كثيرا لغزو الأغواط فبعثت في بادئ الأمر بفرقة بها 1700 مقاتل اكتشف أمرها من طرف أمير المقاومة في الصحراء الناصر بن شهرة فأبادها عن آخرها ولقب من طرف فرنسا بالملثم أو الروجي لأنها لم تعثر له طيلة حياته على صورة حتى رحل إلى سوريا ومات هناك. هذه الحادثة جعلت فرنسا تتفطن لخطر الصحراء فحضرت لها حملة تأديبية سنة 1852 واستعدت فرنسا جيدا لضرب الأغواط بقيادة بوسكارين ولادمير وماريموش وجوسيف برايسي هذا الأخير أرسل أربعة من الجنود ينذرون سكان الأغواط بتسليم المدينة فأقسموا أن يموتوا تحت أسوارها فقتلوا جنديين من الأربعة وبتاريخ 04 ديسمبر 1852 تحالف الجنرالات الثلاثة وتم إعلان حالة استنفار في شمال الجزائر لضرب الأغواط بحشود عسكرية قدرت بـ 7375 عسكريا إضافة إلى فرسان حمزة عميل فرنسا وسيدي الشيخ بـ 1200 بنواحي بريان من الجنوب وحاصروا المدينة فانقسم الفرسان المقاومون وسقطت المدينة باستشهاد ثلثي السكان 2500 شهيد من أصل 3500 ساكن وقتل الجنرال بوسكارين و10 من كبار الضباط الفرنسيين وبقي 400 ساكن وهجر نحو الألف. حاول الفرنسيون حرق المدينة وإبادة البقية لولا تدخل الجنرال راندو بوجهته الإنسانية أن سكان الأغواط شجعان ودافعوا عن مدينتهم وليسوا من الجبناء لذلك بقي السكان على حالهم. بقيت الجثث لمدة تفوق 6 أشهر قبل دفنها حتى دفنت كلها ورمت فرنسا ما يقارب 256 جثة في آبار.
تقاليد راسخة
من المآثر المتوارثة إلى عهد قريب أن الفلاحين وسكان المدينة كانوا محققين شبه اكتفاء ذاتي ولم يكن إنتاجهم موجها في الأساس إلى التسويق وإنما للاستهلاك وكان كل من له بستان يعود ببعض إنتاجه على معارفه وأقاربه وجيرانه والمحرومين وأفضل ما يتهادون به البواكير التي يسمونها الفال وفي جو من التواد والتكافل الاجتماعي المستمد من القيم الإسلامية الراسخة في هذه الديار، ومنها ما اشتهر باسم التويزة وهي حملات تعاونية تطوعية يشترك فيها مجموعة من السكان لإنجاز مشروع ما صغير أو كبير وما من مناسبة أو احتفال إلا ويكون حاضرا فيها الطعام الشهير بالأغواط الكسكس الذي غلب عليه لأهميته وانتشار تسمية الطعام. وطعام كسكس الأغواط يمتاز بتركيبته ومذاقه عما هو معروف عن هذه الأكلة في المدن الأخرى وهناك أكلات أخرى كثيرا ما تحضر في المناسبات الاحتفالية منتشرة في هذه المدينة كالشخشوخة والبوصلوع والبربورا وهناك مأكولات لا ترتقي لمصاف أطباق يمكن اعتبارها من المحليات مثل المْذكر والمبسس والمسمن والفتات والبسيسة أما الخبز الذي يتناول في الأغواط والمنطقة عموما فهو المطلوع وهو يعتبر الخبز الوطني للجزائر.وإذا ما عرجنا في عجالة على اللباس التقليدي الأصيل فإننا نجده غير مختلف كثيرا عما هو سائد في المدن العريقة ولاسيما في المنطقة السهبية والصحراوية فبالنسبة للرجل هناك البرنوس والقشابية الجلابة والقندورة والسروال العربي والبدعية الصدرية والقميص والعمامة التي تختلف أحجامها والتي تقلصت عبر الزمن. أما ما يمكن ذكره بخصوص لباس المرأة فهناك ما يسمى بالقنبوز الذي هو حجاب سابغ لا يبرز إلا عينا واحدة وكان يتخذ من القماش الأزرق ثم الأبيض وهناك الفستان والحولي والوقاية والخمري إلا أن هذه الألبسة التقليدية تكاد تنقرض الآن لحساب ألبسة عصرية مستحدثة ومستوردة.
تحف فنية
تزخر الأغواط بأكثر من 30 محطة للرسوم الحجرية موزعة على هضبات كل من الميلق وسيدي مخلوف وتاجرونة والغيشة وبريدة وتاويالة. وتعد محطة الحصباية تحفة أثرية للنقوشات الصخرية باعتبارها أهم محطة للرسومات الحجرية على مستوى الأطلس الصحراوي متكونة من أربع لوحات صخرية أبدع فيها فنانو ما قبل التاريخ كما تعتبر كمدرسة للباحثين والمتخصصين وتحوز نقوشات صخرية لحيوانات مختلفة كالفيل والنعامة والغزال والأسد ووحيد القرن تتراوح اللوحة الواحدة بين 19 و40 مترا وتقع بواد الحصباية من الجهة الجنوبية لبلدية سيدي مخلوف على بعد 10 كلم عن مقر البلدية سيدي مخلوف 40 كلم عن عاصمة الولاية الأغواط . تم اكتشافها من قبل عسكريين أثناء عمليات التوسع لاحتلال الصحراء قبل 1900 وأعيد اكتشافها مرة أخرى عام 1964 من قبل الآباء البيض ومنهم “فيلاريت وبلا نشار” وتم تصنيفها كمحطة أثرية سياحية تصنيفا عالميا يتوافد عليها السواح الأجانب وبخاصة من البلدان الأوروبية وكذا الباحثين في مجال الآثار. ولعل من بين التحف الأثرية التي تعود لعهد ما قبل التاريخ بالحصباية محطة واد الرميلية التي تعد هي الأخرى من أهم محطات الرسوم الحجرية على مستوى الأطلس الصحراوي مصنفة عالميا ضمن المعالم الأثرية بها مجموعتان من النقوش تضم لوحات لمجموعة من الحيوانات التي يعتقد أنها عاشت بالمنطقة كالأسوداولغزلان والزرافات والفيلة وحجارة متراكمة تشكل رأس أرانب وأطلال سكنات إنسان ما قبل التاريخ ومعالم جنائزية قيل إنها تعود إلى فجر التاريخ وتقع المحطة بواد الرميلية على بعد 6 كلم شمال غربي عاصمة البلدية سيدي مخلوف اكتشفت رسميا سنة 1974 من قبل الآنسة دامور مستوطنة بمدينة الجلفة التي أخضعتها لدراسة أثرية تاريخية.
الغيشة
تحوز بلدية الغيشة على خمسة مواقع للرسومات الحجرية في كل من حجرة الناقة حزك الترك الحمارة وعين آنفوس بوادي الغيشة فيها صورة لثورين كبيرين وبقربهما صورة أتان وجحشها تم تصنيفها كمعلم سياحي سنة 1913 وتقع محطة عين سفيسيفة على بعد 20 كلم شمال بلدية الغيشة وهي من أهم المحطات للرسوم الصخرية في الأطلس الصحراوي بها جدارية يبلغ طولها 2,50 متر وعرضها 1,90 متر تتضمن فيلة تحمي صغيرها من الحيوانات المفترسة كالفهد تم اكتشافها سنة 1898 من طرف النقيب الفرنسي موماني كما تتوفر المنطقة على صروح جنائزية تعكس الطريقة التي كان يدفن بها إنسان ما قبل التاريخ وهي عبارة عن أتلال صغيرة مكونة من التربة والحجارة ودوائر من الحجارة البسيطة أو المتراكمة وفراغات شبه دائرية مبلطة تشكل غرفة جنائزية بداية من طريقة التومولوس ثم تطورت إلى البازينات وهي عبارة عن أتلال تومولوس تكسوها حجارة من الخارج كما توجد طريقة أخرى و هي من الصروح الأكثر تعقيدا كالدولمان مكونة من ألواح حجرية قائمة تشكل حجرة مستطيلة يسقفها لوح حجري أفقي وتكون المصاطب مغروسة في الأرض بعمق مختلف كما تكون موضوعة على أعلى صفوف من الحجارة الثابتة. كانت طرق الدفن المتنوعة كثيرا ما وضعت الجثة مطوية على الجانب أو الظهر وكان للإنسان اهتمام بحاجات الميت بوضع لوازمه وأدواته التي كان يستعملها في حياته وتوجد أغلب هذه المعالم الجنائزية بكل من سيدي مخلوف، تاجموت، تاجرونة، الحويطة، الميلق والغيشة، لم تخضع هذه الصروح الجنائزية إلى دراسات إلا بداية من 2005 بحيث عرفت حفريات ودراسات معمقة في الميدان من طرف طلبة في علم الآثار بجامعة الجزائر.
أطلال القصور
تتواجد بالأغواط أطلال القصور البربرية المتناثرة عبر مختلف أنحاء الولاية بحوالي 40 قصرا منها قصر الرومية و قصر قاعة الصبيان وقصر بكمة، قصر قليتات، قصر الفروج بوادي مزي، قصر الهمام، قصر سكلافة، قصر سبرقادة بواد مرة، قصر أوزادجا، قصر تامدا بقلتة سيدي سعد، قصر بارباب، قصر القليل، قصر غرداية بتاويالة، قصر بمنطقة الخنق وهو قصر ظاهر للعيان فوق تلة بمحاذاة واد الخنق أي عند خنق الوادي وهو الآن مخرب نتيجة الطبيعة ويد الإنسان كما تزخر عاصمة الولاية الأغواط هي الأخرى بتراث غني يشهد على آثار حضارة إسلامية وتاريخ مجيد آثار تكرست بصورتها الجلية في العهد الإسلامي تبرز مميزات التراث الشرقي والصبغة الصحراوية تمثلت في الحصون والقلاع والكنائس التي تعود للاستعمار الفرنسي وهي ليست مجرد شواهد حجرية صامتة ولكنها رموز لهوية متأصلة وعلى ما تركه الأسلاف كمكنون من مكونات الذاكرة الجماعية.