ثقافة

أحمد وهبي… بلبل الأغنية الوهرانية

بجمالية الشعر الملحون

لطالما فتنه صوت والده وهو يؤذن بصوته الأجش العذب مناديا للصلاة ولم يكن بمقدوره أن يصف المشاعر التي كانت تضطرم في قلبه الصغير كانت مزيجا غريبا بين الرهبة واللذة بين الخشوع والمتعة بين الخشية والمحبة. ربما كان هناك غرس في لا وعيه المبكر لحب الجمال وعشق الفن النقي الأصيل.

ولد الفنان الراحل أحمد وهبي واسمه الحقيقي أحمد دريش التيجاني يوم 18 نوفمبر 1921 بمدينة مرسيليا الفرنسية من أب جزائري وأم فرنسية من أصول إيطالية. فقد والدته وهو لا يزال رضيعا لم يكمل شهره الرابع فاحتضنه بيت جده حيث نشأ وتربى هو وأخته في كنف الحي العريق المدينة الجديدة بوهران الباهية المدينة التي منحته الانتماء وصقلت ذائقته فصار يعتبرها أمه التي لم تلده. وقد كانت بداية اهتمامه بالموسيقى ضمن صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية فرع النجاح الذي تأسس بوهران سنة 1937 حيث كان شبلا فيه إلى جانب ثلة من الفنانين الراحلين من بينهم حمو بوتليليس وقادة مازوني. هناك أدى الأناشيد الوطنية وبدأ يشق طريقه بصبر وثبات نحو التألق معتمدا منذ البداية على الأصل الشعر الملحون في انفتاح وجداني مبكر على التراث الكامن في الكلام.

الغربة.. ميلاد فني

سنة 1947 التحق أحمد وهبي بمعهد الموسيقى في باريس وهناك تشبع بروائع الموسيقى العالمية ونمى طاقته وملكته الفنية. لكن مشواره الغنائي بدأ قبل ذلك حين شارك سنة 1942 في الغناء ضمن الفرقة التي كان يقودها الفنان بلاوي الهواري مؤديًا أغنية “ناداني قلبي” للموسيقار محمد عبد الوهاب. واستمر بعدها في تجربته الفنية رفقة المرحوم عبد القادر الخالدي الذي التقاه في أواخر الأربعينيات وأصبح كاتب كلماته الأول ورفيق دربه الإبداعي. ومن هنا دخل وهبي عالم الاحتراف ليصبح صوتا جزائريا متميزا دون منازع يشار إليه بالبنان ويحتفى به أينما حل بأغانيه الطربية الخالدة التي سكنت ذاكرة الناس ومن أشهرها رائعة “وهران.. وهران” التي قص فيها تجربة والده مع الغربة والتي لا تزال تلقى نفس الصدى والتأثير الذي أحدثته منذ خمسينيات القرن الماضي.

عميد الأغنية الوهرانية

لقد سمحت له أعماله القيمة بأن يتوج عن جدارة عميدا للأغنية الوهرانية التي امتازت بجمالية الشعر الملحون وروعة التلحين الذي مزج بين النغمة المحلية والمقام الشرقي بصوت قراري قوي شد انتباه كبار الفنانين العرب. لقد حمل أحمد وهبي طابعا فنيا خاصا ووضع بصمته المميزة ليتحول إلى أحد أعمدة الأغنية الجزائرية الطربية وأحد أبرز المساهمين في تطوير الأغنية الوهرانية دافعا بها من المحلية إلى رحاب العالم العربي الرحب.

رحيل البلبل

فقدت وهران ابنها البار وصوتها الأصيل عندليب الأغنية الوهرانية الأصيلة يوم 28 أكتوبر 1993 بعد صراع مع المرض لكنها لم تفقد إرثه الخالد فقد ترك بصمات لا تمحى وأسس مدرسة فنية راسخة تتبع خطاها أجيال من الفنانين الذين أحبوا التراث وواصلوا العطاء في سبيل تطويره وصونه من النسيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق
إغلاق